بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين. ٩٦/٧/١٥
استصحاب الفرد المردد من المباحث المهمة التي يبحث عنها في ذيل البحث عن القسم الثاني من استصحاب الكلي هو بحث استصحاب الفرد المردّد.
قبل أن ندخل في صلب الموضوع نذكر مقدمةً مؤثرّةً في هذا البحث وهي أن المجرى في استصحاب الكلي حقيقةً هو الشخص الخارجي إلا أن تسميته باستصحاب الكلي باعتبار أن ما نعلمه من ذلك الشخص أنه من أفراد الكلي دون خصوصياته الفردية فمثلاً في دوران الأمر بين وجود الفيل في الدار ووجود البق فيها وهو القسم الثاني من استصحاب الكلي نستصحب ذلك الوجود الخارجي من الحيوان المردّد بين الفيل والبق الذي نعلم بوجوده سابقاً. وذكرنا أن أركان الاستصحاب في القسم الثاني تامة حيث إننا نشير إلى ذلك الفرد الذي وجد فنقول أنه يقيني الحدوث ومشكوك البقاء فنستصحب بقائه.
وبعد البناء على جريان الاستصحاب في هذا القسم وعدم وجود مانع عنه يأتي البحث عن أنه هل يجري الاستصحاب في الفرد المردّد بناءً على ما ذكر من الضابط لجريان هذا القسم من استصحاب الكلي أم لا؟
وقع الخلاف بين الأعلام في هذه الجهة فقد ذهب جماعة من المحققين إلى جريان الاستصحاب في الفرد المردّد منهم السيد اليزدي في حاشية المكاسب والسيد الخوئي والشيخ التبريزي قدهم وذهب آخرون إلى عدم الجريان كالمحقق النائيني و المحقق العراقي والمحقق الأصفهاني والسيد الحكيم والسيد الخميني والسيد الصدر قدهم.
قبل التعرض لأدلة الطرفين لا بأس بذكر نكتة وهي أن بعض وجوه المنع من جريان استصحاب الفرد المردّد لا يختص بالاستصحاب بل يشمل أصولاً وقواعد أخرى كقاعدة الفراغ وأصالة الصحة. مثلاً ذكر السيد الحكيم قده في المستمسك أنه إذا اشتبه القبلة وصلى المكلف إلى أربع جهات ثم علم ببطلان إحدى الصلوات تفصيلاً كالصلاة الواقعة مقابل الباب مثلاً فإن قاعدة الفراغ في الصلوات الثلاث الأخرى لا أثر لها لأنها على فرض صحتها لا يعلم بكون إحداها إلى القبلة والصلاة الواقعة مقابل الباب التي نعلم ببطلانها أيضاً لا تجري فيه قاعدة الفراغ للعلم ببطلانها واما الصلاة الی القبلة المرددة بين الجهات بأن نقول تلك الصلاة الواقعة إلى القبلة واقعاً نشك في صحتها فلاتجري فيها قاعدة الفراغ لأنه من الفرد المردّد. [مستمسك العروة، ج٥، ص٢٠٦] وذكر أيضاً أنه إذا شك في فضلة حيوان أنها هل هي من مأكول اللحم كالغنم فتكون طاهرةً أم أنها من محرم الأكل كالذئب فتكون نجسةً لا تجري أصالة الحل بأن نقول ذلك الحيوان الخارج عنه هذه الفضلة نشك في حلية لحمه فنجري فيه أصالة الحل باعتبار أنه من الفرد المردّد. [مستمسك العروة، ج١، ص٢٩٥] وسيأتي بيان إشكاله العام لجريان الاستصحاب وقاعدة الفراغ وأصالة الصحة وغيرها في الفرد المردّد. ومن يرى الجريان وعدم تمامية الإشكال المذكور يقول في المقام أن تلك الصلاة التي وقعت إلى القبلة واقعاً لا نعلم أنها باطلة أم لا فنجري قاعدة الفراغ في هذا الفرد المردّد.
يقع البحث في استصحاب الفرد المردّد في جهتين:
الجهة الأولى في ملاك استصحاب الفرد المردّد استصحاب الفرد المردّد هو في مقابل استصحاب الكلي واستصحاب الفرد المعين فإنه من جهة فيه حيثية الفردية ومن جهة ليس فيه التعيين ففيه خصوصيتان: الأولى أن الأثر المطلوب مترتب على الفرد دون الكلي والثانية أن ذلك الفرد مردّد بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء. لا خلاف بينهم في الخصوصية الأولى وإنما الخلاف في الخصوصية الثانية حيث إن المستفاد من كلمات المحقق النائيني قده أنه لا يشترط في الفرد المردّد كون الترديد بين فردين بل يكفي كونه بين خصوصيتين حيث مثّل للفرد المردّد بما إذا علمنا بدخول حيوان في الدار وانهدم الجانب الشرقي منها وبقي الجانب الغربي ولم نعلم بأن الحيوان كان في الجانب الغربي أو الشرقي. [فوائد الأصول، ج٤، ص٤٢١] فقد أورد عليه المحقق العراقي قده في تعليقة الفوائد والسيد الصدر قده بأن المثال ليس من الفرد المردّد إذ الفرد الذي نعلم بوجوده فرد معين والشك في موضع ذلك الفرد.
الجهة الثانية في جريان استصحاب الفرد المردّد بيان جريان الاستصحاب في الفرد المردّد كما ورد في كلمات السيد اليزدي قده في حاشية المكاسب في بحث المعاطاة أن يقال: نحن نشير إلى الفرد الموجود في البين وإن كان مردّداً بين فردين إلا أن أركان الاستصحاب بلحاظ ذات الموجود واقعاً تامة ولا يضرّ الترديد بين الفردين بحسب علمنا. [حاشية المكاسب، ج٢، ص٧٣]